كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال في الحكم‏:‏ ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع هو عين العطاء، متى أعطاك أشهدك بره ومتى منعك أشهدك قهره فهو في كل ذلك متعرف إليك ومقبل بوجود لطفه عليك إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن اللّه فيه‏.‏

قال العارف الجيلاني‏:‏ للنفس حالان ولا ثالث لهما حال عافية وحال بلاء فإن كانت في بلاء فشأنها غالباً الجزع والشكوى والاعتراض والتهمة للّه بغير صبر ولا رضى ولا موافقة بل محض سوء أدب وشرك بالخلق والأسباب وإن كانت في عافية ونعمة فالأشر والبطر واتباع الشهوات كلما نالت شهوة تبعت أخرى وتطلب أعلا منها وكلما أعطيت ما طلبت توقع صاحبها في تعب لا غاية له وشأنها إذا كانت بلاء لا تتمنى إلا كشفه وتنسى كل نعيم ولذة فإذا شفيت رجعت إلى رعونتها وأشرها وبطرها وإعراضها عن الطاعة وتنسى ما كانت فيه من البلاء فربما ردّت إلى ما كانت فيه من البلاء عقوبة وذلك رحمة من اللّه بها ليكفها عن المخالفة فالبلاء أولى بها ولو أنها لم ترجع لرذائلها لكنها جهلت فلم تعلم ما فيه صلاحها‏.‏

- ‏(‏حم، عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

1794 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليرفع‏)‏ لفظ رواية الطبراني ليدفع بالدال ‏(‏بالمسلم الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه البلاء‏)‏ أي بسبب كونه بين أظهرهم لكرامته على ربه أو بسبب دعائه والأول أقرب وتمام الحديث عند مخرجه الطبراني ‏{‏ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض‏}‏ ولا يعارضه مدح البلاء فيما قبله لأن المراد به هنا الشاغل عن اللّه أو عبادته أو العاري عن الصبر الموقع لصاحبه في التضجر والتسخط الموجب للخذلان والأول في خلاف ذلك ويظهر بأن المراد بالمئة التكثير لا التحديد فإن حد الجوار يزيد على ما ذكر إذ حد الجوار أربعون داراً من كل جانب‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا الأوسط ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وضعفه المنذري وفال الهيثمي‏:‏ فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف وفي الميزان يحيى هذا ضعفه ابن معين ووهاه أو داود وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن عدي بيّن الضعف ثم أورد له هذا الخبر‏.‏

‏[‏ص 262‏]‏ 1795 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليرضى عن العبد‏)‏ المؤمن أي يرحمه ويثيبه ‏(‏أن‏)‏ علة ليرضى أي لأجل أن ‏(‏يأكل‏)‏ بفتح همزة أن أي بسبب أن يأكل أو وقت أكله ‏(‏الأكلة‏)‏ بفتح الهمزة المرة الواحدة من الأكل أي الغدوة أو العشوة كذا اقتصر عليه جمع منهم النووي في رياضه لكن ضبطه بعضهم بالضم وقال هي اللقمة ‏(‏أو يشرب الشربة فيحمد اللّه عليها‏)‏ يعني يرضى عنه لأجل أحد هذين الفعلين أياً كان وليس هو بشك من راو خلافاً خلافاً لزاعمه وفيه أن أصل سنة الحمد تحصل بأي لفظ اشتق مادة ح م د بل بما يدل على الثناء على اللّه والأولى كما كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يحمد به وسيأتي وهذا تنويه عظيم بمقام الشكر حيث رتب هذا الجزء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال سبحانه وتعالى ‏{‏ورضوان من اللّه أكبر‏}‏ في مقابلة شكره بالحمد وعبر بالمرة إشعاراً بأن الأكل والشرب يستحق الحمد عليه وإن قل جداً أو أنه يتعين علينا أن لا نحتقر من اللّه شيئاً وإن قل وفيه ندب الدعاء عقبها ويسن خفض صوته به إذا فرغ لم يفرغ رفقته لئلا يكون منعاً لهم‏.‏

قال بعض الأكابر‏:‏ هذا فيمن حمد حمداً مطيعاً له طالباً حسن العمل طاهر النفس غير ملتفت إلى رشوة من ربه خالصاً من قلبه فإنه إذا كان كذلك وختمه بكلمة الصدق رضي اللّه عنه بصدقه وأما من حمد على خلاف ذلك فحمده مدحول يخشى أن لا يستوجب الرضى فإن رضى اللّه عن العبد خطب جليل وشأن رفيع والحمد مع استيلاء الغفلة وترك الأدب مع اللّه إنما هو حمد السكارى الحيارى الذين لا يلتفت إليهم ولا يعول عليهم فهيهات هيهات‏.‏

- ‏(‏حم م ت ن‏)‏ كلهم ‏(‏عن أنس‏)‏ ولم يخرجه البخاري‏.‏

1796 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليسأل العبد يوم القيامة‏)‏ عن كل شيء ‏(‏حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر‏)‏ هو كل ما قبحه الشرع كما سبق ‏(‏أن تنكره‏)‏ فمن رأى إنساناً يفعل معصية أو يوقع بمحترم محذوراً ولم ينكر عليه مع القدرة فهو مسؤول عنه في القيامة معذب عليه إن لم يدركه العفو الإلهي والغفر السبحاني وفي خبر أبي نعيم عن ابن عباس مرفوعاً لا يقفن أحدكم على أحد يضرب ظلماً فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ولا يقفن أحدكم على رجل يقتل ظلماً فإن اللعنة تنزل من السماء على من حضره إذا لم يدفعوا عنه ‏(‏فإذا لقن اللّه العبد حجته-قال في النهاية الحجة الدليل والبرهان-‏)‏ أي ألهمه إياها ‏(‏قال يا رب رجوتك‏)‏ أن تسامحني من الرجاء وهو التوقع والأمل وهمزته منقلبة عن واو ‏(‏وفرقت‏)‏ أي خفت ‏(‏من الناس‏)‏ أي من أذاهم قال البيهقي هذا فيمن يخاف سطوتهم ولا يستطيع دفعها عن نفسه وإلا فلا يقبل اللّه معذرته بذلك قال الغزالي‏:‏ فالعمل على الرجاء أغلب منه على الخوف وفي أخبار يعقوب عليه السلام إن اللّه أوحى إليه فرقت بينك وبين يوسف لقولك ‏{‏أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون‏}‏ لم خفت الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له‏.‏

- ‏(‏حم ه حب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال العلائي‏:‏ إسناده لا بأس به وقال الحافظ العراقي‏:‏ إسناده جيد‏.‏

1797 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليضحك-قال الدميري الضحك استعارة في حق الرب سبحانه لأنه لا يجوز عليه تغيير الحالات فهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك وإنما المراد الرضى بفعل هؤلاء والثواب عليه وحمد فعلهم لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقة ما يرضيه وسروره به-‏)‏ أي يدر رحمته ويجزل مثوبته يقال ضحك السحاب إذا صب ماء والمراد بضحكه ‏[‏ص 263‏]‏ سبحانه لازمه إذ الضحك في هذا وما أشبهه التجلي لمن ذكر حتى يراه في الدنيا بعين بصيرته وفي الآخرة رؤية عيان كما جاء به القرآن فالضحك بمعنى الظهور والتجلي كما يقال ضحك الشيب إذا ظهر قال‏:‏

لا تعجبي يا هند من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى

‏(‏إلى ثلاثة‏)‏ من الناس الأول ‏(‏الصف في الصلاة‏)‏ أي الجماعة المصطفون في الصلاة على سمت واحد حسبما أمروا به ‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏الرجل‏)‏ ذكره وصف طردي والمراد الإنسان يقوم ‏(‏يصلي في جوف الليل‏)‏ أي بتهجد فيه ‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏الرجل يقاتل‏)‏ الكفار ‏(‏خلف الكتيبة-الكتيبة بمثناة فوقية فتحتية فموحدة أي يقاتل الكفار أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من وراءهم وفي نسخة وللرجل بلام الجر في الموضعين‏.‏ اهـ-‏)‏ أي يتوارى عنهم بها ويقاتل من ورائها يجعلها كالترس يتقي بها والمقصود بالحديث الحث على الاصطفاف في الصلاة لما فيه من عظيم الثواب وعلى التهجد والجهاد‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

1798 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه‏)‏ ذنوبهم واللام إما على بابها بتضمين يطلع معنى ينظر أو بمعنى على وفيه شمول للكبائر وفيه كلام سيجيء ‏(‏إلا لمشرك‏)‏ باللّه يعني كافر وخص الشرك لغلبته حينئذ ‏(‏أو مشاحن‏)‏ أي معاد والشحناء العداوة قال الطيبي‏:‏ لعل المراد البغضاء التي بين المؤمنين من قبل نفوسهم الأمارة بالسوء قال في الكشاف‏:‏ ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ومن عادة اللّه في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من رواية ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرب ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ قال الزين العراقي وابن لهيعة حاله معروف والضحاك لا يعرف حاله ولا يعرف روى عنه غير ابن لهيعة والضحاك بن عبد الرحمن لم يسمع من أبي موسى قاله أبو حاتم وقد اختلف على ابن لهيعة أيضاً انتهى ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح‏.‏

1799 - ‏(‏إن اللّه ليعجب‏)‏ من الإعجاب وهو من العجب وهو كون الشيء خارجاً عن نظائره من جنسه حتى يكون ندرة في صنفه قاله الحرالي ‏(‏من الشاب‏)‏ أي يعظم عنده قدراً فيجزل له أجره لكونه ‏(‏ليست له صبوة‏)‏ أي ميل إلى الهوى بحسن اعتياده للخير وقوة عزيمته في البعد عن الشر قال حجة الإسلام‏:‏ وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب وقال القونوي‏:‏ سره أن الطبيعة تنازع الشاب وتتقاضاه الشهوات من الزنا وغيره وتدعوه إليها على ذلك ظهير وهو الشيطان فعدم صدور الصبوة منه من العجب العجاب، وهل الأفضل ما نشأ لا صبوة له لكونه لم يلابس كبيرة ونجا من ضررها وخطرها والسؤال عنها في القيامة أو من قارف الذنوب وتاب توبة نصوحاً لكونه قلع عن الشهوات للّه بعد إلفه لها وتعوده لذتها ثم فارق لذته وشهوة للّه‏؟‏ قولان وكلام المحاسبي يقتضي ترجيح الأول‏.‏ ثم إنك قد عرفت معنى التعجب، وعبر عنه بعضهم بعبارة أخرى فقال‏:‏ أصله استعظام الشيء واستكباره لخروجه عن العادة وبعده من العرف وذلك مما ينزه عن مثله الباري فيؤول بما ذكر فكأنه أكبر ما أتى به هذا الشاب من الأمر البعيد عن أوصاف العبيد فهو على منهج المدح لمن لم يصب، وقد يأتي التعجب من فعل المنكر إذا عظم وقعه وفحش قبحه على جهة الإنكار ‏(‏تتمة‏)‏ قال العارف ابن عربي‏:‏ لما تعجب المتعجب مما خرج عن صورته وخالفه في سريرته ففرح بوجوده وضحك من شهوده، وغضب لتوليه‏.‏ وأبغض بعده وأحب قربه وتبشبش لتدليه فعبر بذلك تقريباً لأفهام العرب‏.‏ فهذه ‏[‏ص 264‏]‏ أرواح مجردة، تنظرها أشباح مسندة فإذا بلغ الميقات وانقضت الأوقات ومارت السماء وكورت الشمس وبدلت الأرض وانكدرت النجوم وانتقلت الأمور وظهرت الآخرة وحشر الإنسان وغيره في الحافرة، تنسم الأرواح ويتجلى الفتاح ويتقد المصباح ويشعشع الراح ويظهر الورد الصراح ويزول الإلحاح‏.‏

- ‏(‏حم طب‏)‏ وكذا أبو يعلى ‏(‏عن عقبة بن عامر‏)‏ أي الجهني قال الهيثمي وإسناده حسن وضعفه ابن حجر في فتاويه لضعف ابن لهيعة راويه‏.‏

1800 - ‏(‏إن اللّه تعالى ليملي‏)‏ بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر ‏(‏للظالم‏)‏ زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه ‏{‏إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً‏}‏ فإمهاله عين عقابه ‏(‏حتى إذا أخذه‏)‏ أي أنزل به نقمته ‏(‏لم يفلته‏)‏ أي لم يفلت منه أو لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه أبداً بل يهلكه لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمناً لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته، وقول بعضهم معنى لم يفلته لم يؤخره تعقبه ابن حجر بأنه يفهم أن الظالم إذا صرف عن منصبه أو أهين لا يعود إلى غيره والمشاهد في بعضهم بخلافه فالأولى جعله غالبياً من الإفلات وهو خروج من مضيق وتمام الحديث في البخاري‏:‏ ثم قرأ ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏}‏ وفيه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وأنه لا يغتر بالإمهال فإنه ليس بإهمال‏.‏

- ‏(‏ق‏)‏ البخاري في التفسير ومسلم في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في التفسير ‏(‏ه‏)‏ في الفتن كلهم ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري‏.‏

1801 - ‏(‏إن اللّه ليتبع‏)‏ بمثناة تحتية فمثناة فوقية فباء موحدة أي يطالب، كذا رأيته مضبوطاً بالقلم في نسخ هذا الجامع لكن في تأليف للزين العراقي مضبوطاً بالقلم بنفع بمثناة نحتية فنون ففاء من النفع ومثله في الحلية لأبي نعيم والميزان ثم رأيت نسخة المصنف التي بخطه من هذا الجامع ينفع بنون وفاء مبينة مضبوطة وحينئذ فمعناه ينفع ‏(‏العبد بالذنب‏)‏ الذي ‏(‏يذنبه‏)‏ لأن الذنب سبب فرار العبد إلى اللّه من نفسه ودنياه والاستعاذة به والالتجاء إليه من عدوه والذنب لا يسقط العبد من عين اللّه ولا يخرجه عن موالاته وإنما يسقط بالإصرار وبترك التوبة والإعراض عن اللّه بطلب ملاذ نفسه وشهواتها وإنما الذنب آفة تلحق العبد فينكب بها ويخجل من أجلها فينتعش من صرعته بتوبته وهي سبب الوصلة لخواص العباد والقرب إلى اللّه قال الداراني‏:‏ ما عمل داود عملاً أتم من الخطيئة ما زال يهرب منها إلى ربه حتى وصل إليه، وقال ابن عطاء اللّه‏:‏ ربما أفادك في ليل القبض ما لم تستفده في إشراق نهار البسط ‏{‏لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً‏}‏ وقال‏:‏ ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول وقضى عليك بالذنب وكان سبباً للوصول رب معصية أورثت ذلاً وافتقاراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً‏.‏ اهـ‏.‏ وهذا كله ليس تنويهاً لارتكاب الخطايا بل المراد أنه إذا أذنب فندم بذله وانكساره نفعه ذلك‏.‏

- ‏(‏حل عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب ثم قال غريب من حديث عبد العزيز بن أبي رواد لم نكتبه إلا من حديث مضر بن نوح السلمي اهـ، ومضر قال في الميزان فيه جهالة وقال العقيلي‏:‏ حديثه غير محفوظ وعبد العزيز بن أبي رواد قد سبق بيان حاله ورواه أبو نعيم من طريق آخر فيه عبد الرحيم بن هارون وقد قالوا كان يكذب ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح والزين العراقي غير محفوظ‏.‏

1802 - ‏(‏إن اللّه تعالى محسن‏)‏ أي الإحسان له وصف لازم ولا يخلو موجود عن إحسانه طرفة عين فلا بد لكل مكون من إحسانه إليه بنعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ‏(‏فأحسنوا‏)‏ إلى عباده بالقول والفعل فإن الإحسان غاية رتب الدين وأعظم أخلاق عباد اللّه الصالحين‏.‏ قال بعض العارفين‏:‏ أصل العبودية للّه ودوران أحوالها على أمرين تعظيم قدرة اللّه والإحسان إلى خلق اللّه وقال العارف ابن العربي‏:‏ الإحسان صفة اللّه وهو المحسن المجمل والإحسان ‏[‏ص 265‏]‏ الذي به سمي العبد محسناً أن يعبد اللّه كأنه يراه أي يعبده على المشاهدة وإحسان اللّه هو مقام رؤيته عباده في حركاتهم وتصرفاتهم وهو قوله ‏{‏على كل شيء شهيد‏}‏ ‏{‏وهو معكم أينما كنتم‏}‏ فشهوده لكل شيء هو إحسانه فإنه بشهوده يحفظه من الهلاك فكل حال ينتقل به العبد فهو من إحسانه تعالى إذ هو الذي نقله ولهذا سمي الإنعام إحساناً فإنه لا ينعم عليك إلا من يعلمك ومن كان علمه عين رؤيته فهو محسن دائماً وقد قال الرسول صلى اللّه عليه وسلم فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي فإن لم تحسن فهو المحسن‏.‏

- ‏(‏عد عن سمرة‏)‏ بن جندب‏.‏

1803 - ‏(‏إن اللّه تعالى مع القاضي‏)‏ بتأييده وتسديده وإعانته في أقضيته ومتعلقاتها فهي معية خاصة ‏(‏ما لم يحف‏)‏ أي يتجاوز حدود اللّه التي حدها لعباده وخرج بذلك ما لو اجتهد فأخطأ فإنه معذور حيث لم يقصر في اجتهاده ‏(‏عمداً‏)‏ فإنه حينئذ يتخلى عنه ويتولاه الشيطان لاستغنائه به عن الرحمن‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع ‏(‏حم عن معقل بن يسار‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه أبو داود الأعمى وهو كذاب‏.‏

1804 - ‏(‏إن اللّه تعالى مع القاضي‏)‏ بما ذكر ‏(‏ما لم يجر‏)‏ أي يظلم ‏(‏فإذا جار‏)‏ في حكمه ‏(‏تبرأ اللّه منه‏)‏ لفظ رواية الترمذي وابن ماجه تخلى اللّه عنه ‏(‏وألزمه الشيطان‏)‏ أي صيره قرينه ملازماً له في سائر أقضيته لا ينفك عن إغوائه ‏{‏ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً‏}‏ وفي أصول صحيحة ولزمه الشيطان بدون همزة وبما تقرر من أن المعية في هذا وما قبله وبعده معنوية لا ظرفية علم أنه من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على وازن ‏{‏إن اللّه مع المتقين‏}‏،‏{‏إن اللّه مع الصابرين‏}‏‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأحكام ‏(‏هق‏)‏ كلاهما ‏(‏عن‏)‏ عبد اللّه ‏(‏بن أبي أوفى‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقضية تصرف المؤلف أن هذا مما لم يخرج في شيء من الكتب الستة وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف والأمر بخلافه بل خرجه الترمذي وابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن أبي أوفى المذكور لكنهما قالا تخلى اللّه عنه بدل تبرأ منه قال المنذري‏:‏ رووه كلهم من حديث عمران وصححه الحاكم وحسنه الترمذي والقطان فيه كلام معروف‏.‏

1805 - ‏(‏إن اللّه تعالى مع الدائن‏)‏ أي من أخذ الدين على نفسه بإعانته على وفاء دينه ‏(‏حتى يقضي دينه‏)‏ أي يوفيه إلى غريمه ولا يعارضه استعاذة المصطفى صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم من الدين لأن كلامه هنا فيمن استدان لواجب أو مندوب أو مباح وله قدرة على وفائه غالباً ويريد قضاءه كما يشير إليه قوله ‏(‏ما لم يكن دينه فيما يكره اللّه‏)‏ فهو الذي يكون اللّه في عونه على قضائه أما المستدين في مكروه للّه كراهة تحريم أو تنزيه أو لا يجد لقضائه سبيلاً أو نوى ترك القضاء فهو المستعاذ منه‏.‏

- ‏(‏تخ ه ك عن عبد اللّه بن جعفر‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وله شواهد كثيرة‏.‏

1806 - ‏(‏إن اللّه تعالى هو الخالق‏)‏ لجميع المخلوقات لا غيره ‏(‏القابض‏)‏ أي الذي له هذه الصفة وهي إيقاع القبض والإقتار بمن يشاء وإن اتسعت أمواله قال الحرالي‏:‏ والقبض إكمال الأخذ أصله القبض باليد كلها ‏(‏الباسط‏)‏ لمن يشاء من عباده وإن ضاقت حاله والبسط توسعة المجتمع إلى حد غايته ‏(‏الرزاق‏)‏ من شاء من عباده ما شاء ‏(‏المسعر‏)‏ أي الذي يرفع سعر الأقوات ويضعها فليس ذلك إلا إليه وما تولاه اللّه بنفسه ولم يكله إلى عباده لا دخل لهم فيه، قال الطيبي‏:‏ هذا ‏[‏ص 266‏]‏ جواب على سبيل التعليل للامتناع عن التسعير وأكد بأن وضمير الفصل وتعريف الخبر ليدل على التأكيد ثم رتب الحكم على الوصف المناسب فمن حاول التسعير فقد عارض الخالق ونازعه في مراده ومنع العباد حقهم مما أولاهم اللّه في الغلاء والرخص فبين أن المانع له من التسعير ما في ضمن ذلك من كونه ظلماً للناس في أموالهم لكونه تصرفاً فيها بغير إذنهم بقوله ‏(‏وإني لأرجو‏)‏ أي أؤمل ‏(‏أن ألقى اللّه تعالى‏)‏ في القيامة ‏(‏ولا يطلبني‏)‏ أي يطالبني ‏(‏أحد بمظلمة‏)‏ بالفتح وكسر اللام اسم لما أخذ ظلماً ‏(‏ظلمتها إياه‏)‏ أي ظلمته بها ‏(‏في دم‏)‏ أي في سفكه ‏(‏ولا مال‏)‏ أراد بالمال هذا التسعير لأنه مأخوذ من المظلوم قهراً وهو كأرش الجناية وإنما أتى بمظلمة توطئة له ذكره الطيبي قال‏:‏ وعطف قوله ولا مال على قوله ولا دم وجيء بلا النافية للتوكيد من غير تكرير لأن المعطوف عليه في سياق النفي وهذا أصل في إيجاب الإمام الأعظم العدل على نفسه وأفاد أن التسعير حرام لأنه جعله مظلمة وبه قال مالك والشافعي وجوزه ربيعة وهو مذهب عمر لأن به حفظ نظام الأسعار وقال ابن العربي المالكي‏:‏ الحق جواز التسعير وضبط الأمر على قانون ليس فيه مظلمة لأحد من الطائفتين وما قاله المصطفى صلى اللّه عليه وسلم حق وما فعله حكم لكن على قوم صحت نياتهم وديانتهم أما قوم قصدوا أكل مال الناس والتضييق عليهم فباب اللّه أوسع وحكمه أمضى‏.‏ اهـ‏.‏ وفصل قوم بين الغلاء والرخص ومن مفاسد التسعير تحريك الرغائب والحمل على الامتناع من البيع والجلب المؤدي إلى القحط والغلاء قال القاضي‏:‏ والسعر القيمة التي يقدر بها في الأسواق سميت به لأنها ترتفع والتركيب لما له ارتفاع والتسعير تقديرها‏.‏

- ‏(‏حم د ت ه حب هب‏)‏ في البيع كلهم ‏(‏عن أنس‏)‏ قال غلا السعر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا سعر لنا فذكره قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

1807 - ‏(‏إن اللّه تعالى وتر‏)‏ أي واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبيه له واحد في أفعاله فلا شريك له ‏{‏ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏}‏ ‏(‏يحب الوتر‏)‏ أي صلاته أو أعم بمعنى أنه يثيب عليه ويقبله من عامله قبولاً حسناً قال القاضي‏:‏ وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة قال ابن عربي‏:‏ فتعين عليك أن تكون من أهل الوتر في جميع أفعالك حتى تطلب العدد والكمية وقد أمرك اللّه تعالى بقوله في الخبر الآتي فأوتروا إلى آخره فإذا اكتحلت فاكتحل وتراً في كل عين واحدة أو ثلاث فإن كل عين عضو مستقل وإذا طعمت فلا تنزع يدك إلا عن وتر وإذا شربت الماء في حسواتك اجعله وتراً حتى إنك إذا أخذك الفواق اشرب من الماء سبع حسوات تنقطع هكذا جربته وقال الحكيم الترمذي‏:‏ خلق اللّه الأشياء على محبوب الوتر واحداً وثلاثاً وخمساً وسبعاً فالعرش واحد والكرسي واحد والقلم واحد واللوح واحد والدار واحدة والسجن واحد وأبواب الجنة سبعة ثم تزيد واحداً بمحمد صلى اللّه عليه وسلم باب الرحمة والتوبة وهو أصل الأبواب وأبواب السجن سبعة وعمال اللّه مقسومون على سبعة أجزاء وظلال الآدميين سبعة والأيام سبعة وأرزاقهم سبعة وعبادتهم على سبع جوارح ثم افترض على العباد خمس صلوات وهي وتر وعدد ركعاتها سبعة عشر وهي وتر وأم القرآن آياتها وتر وأدنى القراءة واحد وهي آية وأدنى التسابيح واحد في الركوع والسجود وفرض الحج في يوم تاسع الحجة والزكاة في كل مائتين خمسة دراهم والعشور من كل عشرة واحد وافترض على العباد حفظ سبع جوارح وجعل التقوى في سبعة وأسماءه تسعة وتسعون والقلب وتر وخالقه وتر فأظهر اللّه محبوبه في عامة الأشياء فللعبد في الوتر من النوال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت فمن صلاه كان كمن دخل محل الملك من السرير يعتذر إليه من عمل نهاره ومن تقصيره‏.‏

- ‏(‏ابن نصر‏)‏ محمد في كتاب الصلاة ‏(‏عن أبي هريرة وعن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب، قضية ‏[‏ص 267‏]‏ صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجاً لأحد من المشاهير أو لأنه وجد كذلك لكن عدل عنه لكونه معلولاً وهو ذهول فقد أخرجه احمد والبزار باللفظ المزبور عن ابن عمر المذكور، وقال الهيثمي‏:‏ ورجاله رجال موثوقون‏.‏

1808 - ‏(‏إن اللّه تعالى وتر‏)‏ أي فرد لا من جهة العدد بل من حيث إنه غير مزدوج كما مر ‏(‏يحب الوتر‏)‏ أي يتقبله ويثيب عليه ‏(‏فأوتروا‏)‏ أي اجعلوا صلاتكم وتراً بضم الوتر إليها أو صلوا الوتر والفاء جزاء شرط محذوف كأنه قال إذا هديتم إلى أن اللّه يحب الوتر فأوتروا فإن من شأن أهل القرآن الكدح في ابتغاء مرضات اللّه وإيثار محابه ‏(‏يا أهل القرآن‏)‏ أراد المؤمنين المصدقين له المنتفعين به وقد يطلق ويراد به القراءة ذكره القاضي قال العليمي‏:‏ وإنما خص الثناء بهم في مقام الفردية لأن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد فكأنه قيل إن اللّه واحد يحب الوحدة فوحدوه يا أهل التوحيد انتهى‏.‏

وزعم الخطابي أن فيه دلالة على عدم وجوب الوتر وإلا لعم غير أهل القرآن وهم عرفاء القراء والحفاظ دون العوام وأنت خبير بعدم إصابته للصواب إذ لم يذهب أحد إلى ما اقتضاه كلامه من اختصاص ندب الوتر بعرفاء القرآن وحفاظه دون غيرهم بل لو ذهب إليه ذاهب لكان خارقاً للإجماع بلا دفاع والأولى أن يحمل الأمر على الندب جمعاً بينه وبين خبر هل عليّ غيرها قال‏:‏ لا إلا أن تطوع‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ من حديث عاصم بن حمزة ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وحسنه لكن ابن ضمرة تكلم فيه غير واحد ‏(‏ه عن ابن مسعود‏)‏ وفيه إبراهيم الهجري ضعفه ابن معين وغيره واقتصاره على غير هذين يؤذن بتفردهما به من بين الستة والأمر بخلافه فقد عزاه الصدر المناوي وغيره للأربعة جميعاً‏.‏

1809 - ‏(‏إن اللّه تعالى وضع عن أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏الخطأ والنسيان-قال المحققون قاعدة الفقهاء أن النسيان والجهل يسقطا الإثم مطلقاً أما الحكم فإن وقع في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان شبهة في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة- وما استكرهوا عليه‏)‏ قالوا فيه أن طلاق المكره لا يقع إلا إن نواه أو ظهرت منه قرينة اختيار قال ابن حجر حديث جليل قال بعض العلماء ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار أو لا، الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه وهذا القسم معفو عنه اتفاقاً وإنما اختلف هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معاً وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فبدليل منفصل‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ في الطلاق ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الزيلعي‏:‏ سنده ضعيف ورواه الطبراني باللفظ المذكور وقال الهيثمي وفيه محمد بن مصفى وثقه أبو حاتم وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح وقال ابن حجر أخرجه الفضل التميمي في فوائده بإسناد ابن ماجه بلفظ رفع بدل وضع ورجاله ثقات إلا أنه أعل بعلة غير فادحة فإنه من رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي فزاد عبيد بن عمير بن عطاء وابن عباس وأخرجه الحاكم والدارقطني انتهى‏.‏

1810 - ‏(‏إن اللّه تعالى وضع‏)‏ أي أسقط ‏(‏عن المسافر‏)‏ من السفر وهو إزالة الكن عن الرأس ‏(‏الصوم‏)‏ أي صوم رمضان ‏(‏وشطر‏)‏ وفي رواية للنسائي ونصف ‏(‏الصلاة‏)‏ أي نصف الرباعية لما يحتاجه المسافر من الغذاء لوفور نهضة في عمله في سفره وأن وقت غذائه بحسب البقاع لا بحسب الاختيار إذ المسافر متاعه ‏[‏ص 268‏]‏ على قلة إلا من وقى اللّه، والسفر قطعة من العذاب فخفف عنه لئلا يجتمع على العبد كلفتان فتتضاعف عليه المشقة دينا ودنيا فإذا خلف عنه الأمر من وجه طبيعي أخذ بالحكم من وجه آخر ديني قال القاضي‏:‏ والصوم منصوب عطف على شطر ولا يجوز عطفه على الصلاة لفساد اللفظ والمعنى أما لفظاً فإنه لو عطف عليه لزم منه العطف على عاملين مختلفين وهو غير جائز وأما معنى فلأن الموضوع عنهم الصوم لا شطره والمراد بالوضع وضع الأداء ليشترك فيه المعطوف والمعطوف عليه فيصح نسبته إليهما إذ الصوم غير موضوع مطلقاً فإن قضاءه واجب عليهم بخلاف شطر الصلاة قال الخطابي‏:‏ وقد يجمع نظم الكلام أشياء ذات عدد مسوقة في الذكر متفرقة في الحكم وذلك أن النظر الموضوع من الصلاة يسقط لا إلى قضاء والصوم يقضى‏.‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ وفيه جواز الفطر والقصر للمسافر وإطلاق الكل وإرادة البعض لأنه قال شطر الصلاة وإنما وضع عنه شطر ثلاث صلوات على أن الشطر قد يطلق على غير النصف، وأن الصوم والإتمام كانا واجبين ثم نسخ‏.‏

- ‏(‏حم 4 عن أنس بن مالك‏)‏ الكعبي ‏(‏القشيري‏)‏ أبو أمية صحابي نزل البصرة قال‏:‏ أغارت علينا خيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فانطلقت إليه وهو يأكل فقال‏:‏ اجلس فاصبر من طعامنا قلت‏:‏ إني صائم قال‏:‏ اجلس أحدثك عن الصلاة والصيام إن اللّه وضع إلخ صحح الترمذي حديثه هذا وقال ما له غيره‏.‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ وهو كما قال لا يعرف له حديث رفعه إلا هذا وأما من أطلق أنه لا يعرف إلا في هذا الحديث فغير صحيح فإنه روى له حديث آخر في جمع القرآن رواه الخطيب وغيره وفي هذا الحديث قصة وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته‏:‏ وعن المرضع والحبلى هذا نص الحديث ثم إنه ليس في رواية الترمذي الصوم‏.‏

1811 - ‏(‏إن اللّه تعالى وكل‏)‏ بالتشديد من التوكل بمعنى التسليط والقيام بشأن تلك الخدمة ‏(‏بالرحم‏)‏ قال الحرالي‏:‏ هو ما تشتمل على الولد من أعضاء التناسل يكون فيه تخليقه من كونه نطفة إلى كونه خلقاً آخر ‏(‏ملكاً‏)‏ بفتح اللام ‏(‏يقول‏)‏ الملك عند استقرار النطفة في الرحم التماساً لإتمام الخلقة ‏(‏أي رب‏)‏ أي يا رب هذه ‏(‏نطفة‏)‏ أي منيّ ‏(‏أي رب‏)‏ هذه ‏(‏علقة‏)‏ قطعة من دم جامدة ‏(‏أي رب‏)‏ هذه ‏(‏مضغة‏)‏ قطعة لحم قدر ما يمضغ، وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكون فيها أم لا فيقول نطفة عند كونها نطفة ويقول علقة عند كونها علقة فبين القولين أربعون يوماً وليس المراد أنه يقول في وقت واحد وإلا لزم كون النطفة علقة ومضغة في آن واحد ‏(‏فإذا أراد اللّه‏)‏ سبحانه وتعالى ‏(‏أن يقضي خلقه‏)‏ بفتح فسكون أي يأذن في إتمام خلقه ‏(‏قال‏)‏ الملك ‏(‏أي رب شقي أو‏)‏ وفي رواية أم ‏(‏سعيد‏)‏ من السعداء وقدم الاستفهام عن الشفاء لكثرة ما تراه الملائكة من مخالفة البشر المستحقة بها للعذاب ‏(‏ذكراً أو أنثى‏)‏ كذلك وقدم الذكر لشرفه وأصالته والخنثى ذكر أو أنثى عند اللّه فليس قسماً ثالثاً يسأل عنه ‏(‏فما الرزق‏)‏ أي أي شيء قدره فأكتبه ‏(‏فما الأجل‏)‏ يعني فأي مدة قدر أجله فأكتبه ‏(‏فيكتب‏)‏ بصيغة المجهول أو المعلوم ‏(‏كذلك‏)‏ أي مثل ما يؤمر به ‏(‏في بطن أمه‏)‏ أي وهو في بطنها أو والحال أنه في بطنها قبل بروزه إلى هذا العالم، فرغ ربك من ثلاث عمرك ورزقك وشقي أم سعيد فيكتبه الملك في صحيفة فلا يزاد عليه ولا ينقص إلى يوم القيامة كما في رواية مسلم وفي حديث أنه يكتب بين عينيه ولا مانع من كتابته فيهما‏.‏

وعلم مما تقرر أن قوله نطفة علقة مضغة بالرفع خبر مبتدأ محذوف وقال الكرماني‏:‏ ويجوز النصب أي جعلت المني نطفة في الرحم أو صار نطفة أو خلقت أنت نطفة قال وقوله أذكر مبتدأ وقد يخصص بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصلح للابتداء به وروي أذكراً بالنصب أي أتريد‏.‏

- ‏(‏حم ق عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

‏[‏ص 269‏]‏ 1812 - ‏(‏إن اللّه تعالى وهب لأمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏ليلة القدر‏)‏ أي خصهم بها ‏(‏ولم يعطها من كان قبلهم‏)‏ من الأمم السابقة فهذا كما ترى صريح في أنها من خصوصياتنا وأشار بقوله وهب إلى عظمها وكثرة المواهب والعطايا فيها وأنها خليقة أن يمتن بها‏.‏

- ‏(‏فر عن أنس‏)‏ وفيه إسماعيل بن أبي زياد الشامي قال الذهبي في الضعفاء عن الدارقطني ممن يضع الحديث‏.‏

1813 - ‏(‏إن اللّه تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون‏)‏ من الوصل ضد القطع ‏(‏الصفوف‏)‏ بحيث لا يبقى فيها ما يسع واقفاً أي يغفر لهم ويأمر ملائكته بأن يستغفروا لهم‏.‏ قال الفخر الرازي‏:‏ ولا يصح كونها بمعنى الدعاء لأنه غير معقول المعنى في حقه تعالى لأن الدعاء للغير يقتضي طلب نفعه من ثالث وهو هنا محال وتقييد الصف في الحديث الآتي بالأول للأكثرية لا لإخراج غيره كما يصرح به ما يأتي ‏(‏ومن سد فرجة‏)‏ بضم أوله خللاً بين المصلين في صف ‏(‏رفعه اللّه بها‏)‏ أي بسبب سده إياها ‏(‏درجة‏)‏ في الجنة زاد في رواية ودرت عليه الملائكة من البر وهذا وارد على منهج تأكد سد الفرج في الصفوف وكراهة تركها مع عدم العذر‏.‏